عرب بلاحدود
مرحبا بك زائرنا الكريم في منتديات عرب بلاحدود

اذا كنت غير مسجل يشرفنا ان تقوم بالتسجيل وذلك بالضغط على زر "التسجيل"

واذا كنت مسجل قم بالدخول الان وذلك بالضغط على زر"الدخول"


مع تحيات ،، اداره منتديات عرب بلاحدود

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عرب بلاحدود
مرحبا بك زائرنا الكريم في منتديات عرب بلاحدود

اذا كنت غير مسجل يشرفنا ان تقوم بالتسجيل وذلك بالضغط على زر "التسجيل"

واذا كنت مسجل قم بالدخول الان وذلك بالضغط على زر"الدخول"


مع تحيات ،، اداره منتديات عرب بلاحدود
عرب بلاحدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الاستاذ الفاقد لحنان تلميذته

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1الاستاذ الفاقد لحنان تلميذته  Empty الاستاذ الفاقد لحنان تلميذته الخميس سبتمبر 02, 2010 1:42 pm

Admin

Admin
Admin



الاستاذ الفاقد لحنان تلميذته



كمثل أي درسٍ مضى .. بحثت في ثنايا الواجب المنزلي العمل لصغيرتي عن إجاباتٍ مغايرة .. تفحصت دفترها سطراً ، سطراً .. وجملة ، جملة .. ومفردةً ، مفردة
كنت - برغم أستاذيتي - أتلهف عن ما هو جديد .. أبحث عن تحليق .. عن كلامٍ مغاير لذلك الموروث والمألوف ... فقد ملّلت تدريس صغيرتي ، لشعوري بمللها ....؟
هذا ما كان بداخلي .. دون أن أشعر صغيرتي بهذا الملل الجاثم فوق همّةٍ لم تعرف الكسل قط .. أو هو السن وتقدمه ... أو هي تأثير الأحزان وأفعالها في النفس البشرية .. أو هي صغيرتي من أرادت أن تشعرني بذلك الملل وتمطيه وتثاؤبه .... لم أعد أدري ، بعد ليالٍ من عذابات الذات ووسوستها ..لأمورٍ فقدت تسلسلها المنطقي في عقلٍ ملدوغ ..؟!
تنحنحت وقلت بغضب :
- أجبتي تلميذتي عن سؤالك ... حين قلت لك بمؤخرة درسي السابق ( أنني فاقد حنان ) ..! فلما تقولين .. لماذا ..؟ .. وكأنك يا صغيرتي تجيبين السؤال بسؤال ..!؟
وتعترفين أيضاً بجريمة فعلتك بقولك .. أن سؤالك هذا غبي الطرح ... ؟ ، ثم تعودين ثانية .. لمغالطة غباءك بغبائك .... بقولك : ولكن لماذا ..؟؟
( وتابعت الغضب .. والأسئلة لتلميذتي ) .. إلى متى تبقين كـ تفاحة جادت أسناني بقضمها .. فاستسلمت ..؟ ، إلى متى تبقين كدمعة براقة في مقلتي أثرتها ذات كتابة .. فسقطت ..؟ ، لما تخلعين زيّك المدرسي بحضرة أستاذك .. ولو حتى لثواني ...؟
هل تصدقين .. لا أحبك فعل هذا ... أو حتى مثل هذا ..!؟
فلم يحن للوقت عطفاً عليك .. بأن يقدم عقارب التنازل ساعة .. ولا أفهم من تعطف الوقت هذا .. غير ذلك .. أيتها التلميذة المتسرعة ....!
لمحت في عينيها قلق غير منتظر .... فأردفت قائلاُ :
لا أريد أن تلبسين أجنحة السنونو ، برغم قدرتها الرائعة على التحليق .. لسوادٍ أجده قد تشوب في أغلب ريشها .. ألم تعرفين بعد كم أستاذك يمقتُ الظلام في لحظات الكتابة ..؟
وازداد الاتساع مساحة في حدقتيها .. وهنا لابد من بعض الحنو ، أمام براءة السحر في عيني صغيرتي .. فغيرت من نبرة الصوت إلى ما يشبه الرجاء :
كم كنت أرغب أن ترتدين أجنحة الحمام ..أو أجنحة النوارس .. !
قاطعتني كعادتها التي أمقتها في صغر سنها :
ولكن لماذا ... أستاذي ..؟
- لبياضها الناصع .. ولأنني طائر بحري مسالم .. وأريد من تلميذتي الصغيرة أن تخطو نحو سماءها العالية .. بخطى أستاذها الواثق من جنونه الأبيض ..!؟
وخلال صلصلتٍ لسيوف العتاب لتلميذتي .. وقع نظري على سطرٍ مغاير في واجبها المغاير ... فتحول حديثي من صلصلت حروبه إلى همسةٍ مستكينةٍ .. كمثل نسمة صباحٍ حانية ...
- يا لحنانك يا صغيرتي .. ويا لجمال الانسياب الوصفي في واجبك الحارق إليّ .. !؟
سألتها باستغرابٍ حمل من حقائب الذهول كل ما يدعو للدهشة والتعجب :
- من أين لك ذلك يا صغيرتي ...؟
واستطردت ... بت أخشى على قلمي من حلمي ..؟؟؟ ، بت أخاف كلماتك الشامخة .. وهمساتك الفاتنة .. ولمساتك الحانية ...؟
وبدهشة أثقل وزناً من تلك الحقائب الذهوليّة الحمل .. سألتها :
- أنت من كتبتِ :
تنام بضجرٍ بين أحضان جبالٍ موسميّة المطر ....؟
وكتبتِ أيضاً : أراكَ طفلاً يركض .. يركض .. يركض .. تخدعه خيالات الطفولة بأنه قادر على القفز بعيداً عن ظله .. أو حتى التخلص منه بركلة من قدمه الصغيرة ....؟
وهنا ، لم أعرف ما سوف أقوله ... وتلميذتي الصغيرة ، قد نست بلحظة ( ضعفي ) أنني أستاذها .. وأنني أكبر منها سناً ... فراحت تتخيل الأستاذ طفلاً .. ويركض ..!؟
ولكن أصرّ العناد تعنته .. كما كل مرة .. بأن لا أمدح صغيرتي .. فتغتصب الثقة لنفسها عنوةً ، في وقتٍ لم يسمح لها بثوانيه ودقائقه وساعاته ، بأن تزني ببراءة الثقة .. فتكسب أثم نفسها ، وقد كان بإمكانها الصبر لنيل تناسلها في الداخل .. بطريفة شرعية .. محببة للنفس .. وأقوى تمسكاً ، وثباتاُ بها .. فالوقت لم يحن بعد ، برغم دنوّه من نفسها .....؟
وبكل ثقتي المغرورة قلت لها :
- أستاذك يا صغيرتي ، أنا .. ولست بطفلك ... ! ، وقد أناقض أستاذيتي .. وأصبح طفلاً عند مثل هذا القول وهذا الإبداع .. ولكن ، أن تقول تلميذتي ذلك فلا تقبله ثقتي في نفسي ..؟
وأن قلته لنفسي فأنا أمارس الحرية في حق دكتاتورية نفسي ...!
ألست أستاذك يا صغيرتي ...؟؟
- نعم .. سيدي ..! ...... كانت قد قالتها بوجلٍ مزق ورود وجنتيها ..!
- إذن فلتنصاعي لدكتاتورية داخلي في حق داخلي ....؟
وفي هذه اللحظة .. شعرت بجبروتي ، وقسوة أستاذٍ ظالم في حق تلميذته وتلاميذه ... ولكن حقاً ، هل بعد الحزن والجد .. يتولد حزن وجد آخر ...؟؟!
وقبل أن أكمل ما أنا به .. تدخل الهاتف : يزمجر بنغماته .. وكأنه يسعد بقطع سلسلة أفكاري الذهبيّة اللحظة والتركيز ... فيجعل الدرس جحيماً لا يطاق داخل عمق الكتابة ، وعمقي داخلي .. عندما كان ( أحمد ) - وهو أخي الأصغر - يعاتبني على فعلتي التجاهلية في حق أبي وأمي .. وأنني لم أتصل بهما منذ أكثر من أسبوع .... وقد زاد بإصراره على مواصلة العتاب القاسي من ألم قد شكوته في كتابة عنونت بـ ( لحظة يأس وضياع ) ....!
لم أصدق أن ( أحمد ) يفعل بي ذلك وأنا أرجوه بـوابلٍ من مفردة : كفى .. وأقاطعه برجاءٍ شعبي النطق : أسمعني يا شيخ .. وبنداءات أسمه : يا أحمد .... فضاع صوتي ، بلجلجة عتابه الحارق ، وغياهب صرخاته اللائمة ....!؟
لا أنكر أنني شعرت بغيرته لوالديّ .... ولكنه ، كان أخي الأصغر .. ويجب ، يجب ... وهنا ، أيضاً أشعر بلا يجب تجتاح يجب .... وبكل عبثية جنونية اللحظة ، قلت له : ( يكفي ، تراك زودتها .. مع السلامة .....! ) ، وأغلقت سماعة الهاتف ..!؟
وعدت هنا ... وأين هنا ..؟
لم أعد أتذكر جيداً ما كنت به ... ولكن بين إبداعات تلميذتي ، وصرخات ( أحمد ) أجدني قد نجحت في تكثيف الإحساس باللحظة المفعمة .. بالتوتر المفاجئ .. وبدء ضياعٍ كتابيٍّ جديد ، وأنا في حضرة تلميذتي ... كمثل تلك الكلمات التي تحيد عن المنطقيّ القول إلى اللامنطقي .. عن المعلوم في الكلام إلى المجهول الرمزيّ الصياغة .. عن الوعي المألوف إلى لحظات اللاوعي ... فلا أجد عقلي قد بقي كما اعتمدناه هناك .. في الكرة الرأسية ... لأجد أن جنوناً أحتلّ موطن عقلي عنوة وقسرا .. ثم هناك قنديل لعقلي الباطن يشعل فتيلة في سواد عقلي المغادر من كرته الرأسية المكان ....؟
تهمّش الوعي .. وفي لحظات سيطرةٍ حافزة للاوعي .. سألت تلميذتي عن الواجب ..؟
قالت ببراءة :
- أنه بين يديك أستاذي ، وقد بدأت درسك هذا به يا أستاذي ..؟؟
- آهٍ .. نعم ، نعم ... أعرف ذلك .. ولكنني ...! ، فقاطعتني كمثل رنين ذلك الهاتف :
- يبدو أن هناك عنادٌ مائج برأسي سيدي ... هل تسمح لي بممارسته في حضرتك يا أستاذي ....!
- نعم .. بالتأكيد يا صغيرتي ... فأنا عودتك على الثقة في الحديث معي ومع الآخرين .. وكم يعجبني عنادك .. فذلك ما سيعمل على توالد الثقة في نفسك ... استمري القول ...
- إذن ... عفواً .. أستاذي ، اسمح لي في هذه اللحظات فقط أن أقول لك يا ( أبا عبدالله ) ، بدون سيدي أو أستاذي ....؟
- وهل أخبرتني صغيرتي .. بسبب مقنع .. عن فعل ذلك ....؟
- لا أعلم ... ولكن حين ننادي البشر بأسمائهم ، نشعر بأننا نتغلغل إلى أعماقهم .. ونكون جزء منهم ولو لثواني ...؟
- لا يهمني أن أوافقك الرأي .. ولكن هل تصدقين يا صغيرتي .. أشعر بتقدمك في التفكير والكتابة .. رغم أنني نبهت عليك أكثر من مرة أن لا تخاطبين أحداً خطاباً مباشراً ... ! ، فلتحاولي صياغة ما نطقت به شفتاك صياغة أدبية إبداعية ... حتى في واقع حياتك .. فأنت من اختارتِ طريق الكتابة مسلكاً لمسيرة حياتها ..؟
- أبا عبدالله .. أنني عقدت يداي أمام صدري .. وها أنذا أطالع وجهك .. فأستحلفك بالله ..... أن تبكي .. أبكي .. أبكي أكثر .. وأكثر ...
وقبل أن أتمكن من قذف حقائب الذهول التي حاولت عبثاً تحميلها على هشاشة كتفي .. أكملت حديثها برجاءٍ .. كاد قلبي أن ينفطر منه .. غير مكترثة لأحاسيس أستاذها ، وشفافية داخله ..!
- اجعل دموعك إمطاراً و أمطاراً تجرفنا وتدخلنا لآلة الزمن .. وتحملنا لطفولتنا .... وهناك سترى أنك لست وحيداً .. وأن دموعك ليست عيباً أو جرماً ... هناك ستكون أكثر قدرة على الصراخ .. على أن تركل كل شئ أمامك .. هناك ، مزق الورود من على عذوقها المتطاولة الأعناق .. فلن تجد لافتة إرشادية كتلك المانعة للتدخين أو للوقوف .. لن تجد لافتة تمنعك من لمس النباتات .. وتأمرك بمشاهدتها فقط .... هناك ، تستطيع أن تحرق كل الغابات ... هناك ، ستمنع قوس قزح من أن يرتسم بانحناءٍ كسول بعد يومٍ ماطر ... هناك ، تستطيع أن تقنع الشمس من أن لا تشرق على أراضٍ استوائية حارة ..... هناك فقط يا ( أبا عبدالله ) ، تستطيع أن تفعل ما يحلو لك .. لن تسمع قولاً قد مللت سماعه عندما بكيت .. فلقبوك بـ ( المجنون ) .. وبـ ( المتمرد ) .. وبـ ( نافور ) ... وألقاباً لا ترضي علمك وأدبك وثقافتك وأخلاقك وصدقك ... هناك ، فقط .. لن تسمع سوى مثل قولي :
هذا طفل صغير .. بعيون باكية دامعة
وجدت رأسي .. وكلماتها الحانية تلجّ في كل مساقط تكويني .. ينحني للنظر إلى أرض المجلس ... فأردفت القول :
- أبا عبدالله .. عرفت كيف تجعلني أحنث بوعدي ، بأن لا أهيم بأستاذي .. في لحظات قوتك وجبروتك ... ولكنك لم تعرف أن تخفي طفلك عنّي .. فمددت يدي حتى ألامس شعره المهمل منذ سنين .. لأحاول أن ألملم بقاياه المبعثرة .. انكساره .. حزنه النبيل .. غضبه .. ملله .. رؤيته للوجوه بملامحٍ واحدة ، وكأن من يحيطك من أبناء اليابان ( أحادي الملامح ) ... كلهم سواء .. لا فرق .. لا فرق ..!
ملكت أول قطرة لمشروع دمعة .. كانت قد أعلنت رقرقتها تحت جفني .. وبلعت ريقي طويلاً .. أقلها ، حتى لا أبدو ضعيفاً أمام تلميذتي البارعة ... وحاولت أن أتكلم ، ولكن غصّة هلامية تشبثت في آخر حلقي ....!!
وحين أدركت صغيرتي تحرشاتٍ لحروفٍ تكاد تأخذ منها الأبجديّة ، سبقتني لتصرخ بوجهي :
- يا ألهي .. كم من السنين مضت ، وأنت يا ( أبا عبدالله ) تفتقد السكر من فمك .. ويحنّ العلقم للاستيطان بفمك .. ومنذ أن بدأت دروسك معي ، وأنا أرى عيناك وقد حنت ليومٍ تنام فيه أربع وعشرون ساعة في تلك الأربع والعشرون ساعة ... ولكنك ، لا تستطيع ...! ... ورأيت عقلك وقد حاول أن يمارس التصديق على ما يراه الناس صادقاً ... ولكنك ، لا تستطيع في محاولاتك البائسة ..! ... وأعرف جيداً ، كم وكم يعذبك أن تكون مختلفاً عن البقية ....! ، ألم تحاول بمهنة الدباغة حين أردت تلوين جلدك بألوان جلودهم ... ولكنك ، لم تستطيع ...!؟ ، ألم تمارس جنون البكاء في حضرة الرجال من حولك ... ولكنك ، أيضاً لم تستطيع ...!؟ ، ألم تعجز يا ( أبا عبدالله ) في محاولاتك للتوقف عن تدريسي ... وعجزت عن ذلك .....!؟
- ما الذي تقولينه يا صغيرتي .... ما هذا ..؟ ، أكاد لا أصدق .. أن صغيرتي ، أصبحت تتكلم بمثل هذا ..؟ .. مهلاً يا تلميذتي .. مهلاً .. فأنتِ لم تهدفين في هذا لممارسة إبداعٍ في حضرة أستاذك ....؟
- إذن ، ماذا يا ( أبا عبدالله )... ماذا ..؟ ، أجبني بصدقك ..!
- أنك يا صغيرتي ، لم تمارسين دور الكاتب المبدع ... فكأنّي أراك تمتهنين مهنة الطبيب النفسي .. لتجربين الغوص في أعماقي ...!! ، بعد أن مارستها معك ذات درس ...!
- نعم يا ( أبا عبدالله ).. فأنت من قال لي ، أن الكتابة مجموعة متجانسة من مهنٍ غير متآلفة .. وعرفت أن أهم هذه المهن : هو الغوص بأعماق الآخرين .. لجلب أصدافهم ، ومحاولة فكّها بلمساتٍ رقيقة لا تزعج صاحبها .. وعليك البحث جيداً عن مكنون الصدفات .. وعندها فقط ، تستطيع أن تحدد أي نوعٍ من الكلمات يمكن أن تختاره لمجاراته أو الرد عليه أو مخاطبته ...!
- لا أنكر ذلك يا صغيرتي ... ولكن ، هل كان يجب أن تحمل دوارقك تجاربها الأولى وتملأ بسوائلي المتفاعلة معك ....!؟
وليتني لم أسأل سؤالي هذا في حضرة كيميائية بدائية التلمذة ..؟؟؟ ، فقد اكتشفت أن صغيرتي قد كبرت وأصبحت من أخطر الكاتبات القادمات إلى عالم الكتابة .. فهي قد تفوقت على أستاذها كثيراً ، حتى بقوة حجّتها .. وصلابة دوارقها .. وشموليتها لمهن عديدة .. خشيت أخطرها فعلاً والمتمركز بالقدرة على الغوص بأعماق الآخرين ....! ، وقبل أن أقطع بإرادتي .. حبل تفكيري في لحظة صمتي هذه .... استطردت القول بأسىً لم يتسع قلبي لاحتوائه حين قالت :
- هل من الممكن الآن أن أكون حانية .. وأنت يا ( أبا عبدالله )من فقد حنانه خلال دروسه لصغيرته ...!؟
وقبل أن أخرج حرفاً أردت منه الإجابة .... أردفت القول بقول :
- لتعرف أن تلميذتك قاسية بمثل قسوة أيامها .. ولتعرف أنني لم أستسلم لدموع أنثوية .. تمساحية الأهداف ... ولو بدأت تعلمي معك بتلك الدموع ، فسيحظى بريدي منك برسالة في كل ثانية ... فنحن البشر جبلنا أن لا نميل بمثل ميلنا لمن هو أضعف منا .. وبمثل ميلنا لمن يشعرنا بحاجته إلينا ...!
- لحظة يا صغيرتي ... ما بك قد أخذت الدرس من بين دفاتر فكيّ ...؟
- ( أبا عبدالله ).. قد سمعتك كثيراً .. وتعلمت منك كثيراً ، فأعطني فرصة صمتك ودعني أقول لك : أن سنواتي العشرينية الخطى ، لم تكن شفيعة لي أمام عذاباتٍ فاقت سنيني .. ولكنني ، لم أدع لها فرصة الهزيمة والانكسار مثلما تركت لي فرصة صمتك .. كما ولم أحني جبيني لتلك العذابات ....!
- ولكن يا صغيرتي ... ما الذي جعلك تثورين هكذا ، على درسٍ مضى .. كنت أحاول به أن أريك كيفية الكتابة بحزنٍ عميق وانكسارٍ وحريق ...!
- ما كان يا ( أبا عبدالله )ليس درساً .. ألم تعلمني الغوص بأعماق النفوس البشرية .. وأنا تلميذتك التي وثقت من مكنون أصدافك .. فكان ذلك لؤلؤ داخلك ، وقد ملكته لحظتها .. ولمسته بأطراف أناملي .. وآن الآوان لأن أثور بحضرة أستاذي .. وأن أمارس التعبير في بحر التعابير .. وأن تختبر قدرتي وحدود آفاقي .... من خلالك ..!
- إن كان الأمر كذلك يا ( كبيرتي ) ... فاستمري الحديث .. ولن أٌقاطع ...!
- كنت قد قلت بتلك المقالة يا ( أبا عبدالله ).. ( لم أجد الحياة كما أهوى ) ، ولا بأس يا سيدي .. ولكن ، لمَ لا تطوعها وتشكلها على ما تهوى .... إنها طيّعة يا سيدي .. أقسم ..! ، وقلت : ( لم أجد البشر كما أحببت أن يكونوا ) ، ولا بأس أيضاً .. كذلك أنا يا سيدي .. لم أجدهم بنفس منظارك .. ولكنني لم أنشد الكمال في أحدهم ، وأنا أشعر بنقصٍ في ساعات الليالي الحالمة مقابل زيادة طردية الاتجاه لساعات أنين الظهيرة ...!؟ .. سيدي ، كم هي قاسية هذه الحياة بتناقضاتها وأهلها .. فقط ، عندما نريد منها أن تكون فعلاً قاسية ..؟!
- جميل قولك .. وحلمك .. وطموحك يا ..... يا سيدتي ..!
- أقسم .. أنني ، أعتز بأستاذي .. ولكنك أثرتني في كلامك حول الثقة ، عندما ظلمتني باغتصابها عنوةً لنفسي ، وأنا من دنت منها ثقة الكون واستوطنت في مساكب تكويني منذ درسي الثاني .. وكأنها يا أستاذي ، قد غادرت مطاراتك .. عندما حطت بمطاراتي ... فيا أستاذي ، أقسم أنه سيخيب ظني بك ، إن أصر إيمانك على أن الدموع للنساء والأطفال ... وأنا من آمنت بأن الدموع لا تعرف التمييز بين الجنسين .. ولم تستوعب بعد اختلاف هرمونات الذكورة عن تلك الأنثوية .. ولم تعرف بعد كيف لها أن تتعامل معنا ، إلاّ من خلال مداعباتها الطفولية لأحاسيسنا .. وتحكيمها لمباريات المصارعة في داخلنا فقط ... ولا فرق بين كبد امرأة ، وكبد رجل .. ولا طحال راشد ، وطحال طفل .. إلاّ بالحجم .... جميعنا نملك ذات العدد من الكريات الحمراء .. وذات الخاصية من تجديد مستمر للخلايا .. ومن قطرات الدموع ، وبلوراتها الحارقة ....!
شعرت هنا بطرسٍ من أحلام تلميذتي قد طوى جنوني .. حين ضاق بي النقاء واستبدل موضعه بصدري إلى صدرها .. شعرت بنجاحي المفتول بتحقيق أمنيتها بأن تكون كاتبة متمكنة .. وبفشلٍ متهالك لحجتي .. وبوهنٍ لتمكني .. واندحارٍ لقناعتي .. أمام قوة حجتها .. وصلابة تمكنها .. وانتصارات قناعتها ... و.. شعرت بخليط من تزاوج أحاسيس النشوة بالفرح ، مع تلك الصاعدة من ألمي وانكساري ....!
وفي لحظة محاولاتي الفادحة .. لتمييز نوع ذلك الشعور .. وتصنيفه من أي أصنافٍ يمكن لي فهرسته في سجلات الذات .. فأحكم السيطرة عليه ، قبل أن ينفجر في صغيرتي الكبيرة .... وقبل أن أتمكن من تدوينه ...... صرخت بوجهي المرتعش الخدين .. كجرسٍ عٌلّق في صالةٍ .. كانت أرضها وجدرانها من رخام :
- ( أبا عبدالله ).. ألم تكن كتابتك تلك ( لحظة يأسٍ وضياع ) سوى بركان بداخلك تفجر ...؟ وطوفان ألمٍ ملء شرايينك يهدر ..؟ وويلاتٌ كبرت ، وأنت بضعفك ، أمامها تكبر ..!؟ ... كتابتك يا ( أبا عبدالله ) ، شوارع أُنيرت بأعمدة فوقها نار ونور .. لم أشاهد مثلها قط ، فتنت بوهجها وحرقتني ..! ... ، وقتها .. وأنا أراك ، مثل قاربٍ شراعي الحركة .. تمزقت أشرعته لحظة ضياعٍ في أعاصير البحار .. وتلاطم الأمواج ... لم أتوانى لحظة واحدة ، حين رميت بنفسي كمحاولة للاقتراب منك ، وإنقاذك ... ففشلت برغم تمكني من السباحة .. حين لفضني بحراً أنت ضائع به ، إلى شواطئ أخرى مجهولة الخارطة والهوية .. مطموسة المعالم والاتجاه ... ثم تعترف بكبريائك وغرورك بأنها ليست على خارطة الكون ..... !
- لأ ... لأ .. يا تلميذتي .. ما هذا ... !
كانت رجاء أتي لها بالوقف عن السرد .. ومواصلة التأنيب لم تتجاوز حروفها حدود أطراف شفتي .... فلم تسمعني .. وواصلت تحرشاتها في الداخل .. وتحريضها لفرائصي بالتراقص والارتعاد .. وإيقاظها لنشوةٍ ألوان الانفعالات بعدد ألوان قوس قزح ......!
- أعطني الفرصة يا سيدي .. لتطأ قدماي عالمك ... دعني ألمس بحنو أطرافي خيالاتك الهاربة للبعيد ... أدنو ، ولتحاول النزول قليلا من أبراجك العاجية ، لأصافحك ، وأضع يميني بيسارك .. وحلّق بي إلى مجهولك ..... أحلفك بالله أن تفعل .. وأستحلفك أن تدع نفسك قليلاً ... وأجهش بحضرتي بالبكاء ... فأنت من يحتاج يا سيدي لهذا البكاء .. أنت من يحتاج ذلك يا أستاذي ... أبكي سيدي .. أبكي سيدي .. أبكي ... كم أحتاج لمسح دموعك ، فلتبكي يا سيدي .....
ولأول مرة أشعر بأنني فقدت منذ زمنٍ حقي في ممارسة البكاء .. يا لبؤسي ، فمنذ متى لم أبكِ ..؟ وكمحاولة أخيرة مني .. أغلقت في فمي تمتمة لكلماتٍ كان عليّ أن أقولها ، ولكنني آثرتها .. لمأساة أزلية الجسد أخذت تتقمصني شيئاً ، فشيئاً .. ثمة هناك تراكماتٍ لمشاعرٍ غريبة ، وترسباتٍ لمواجعٍ يومية بدأ دبيبها في الحركة والانفعال .. وهناك شيئاً أخرا بدأ يتصاعد من الداخل .. لا أدري ما هو بالضبط ، ولكنه يصعد إلى أعلى ، وبكل قشعريرته اللزوجية التأثير يحاول جاهداً الانعتاق من جاذبية الداخل .. ثم نجاحٍ باهر له ، أعلنته هزة عنيفة لفرائصي وأعضائي .. مزقت بخطوها كوني وتكويني .. فلم أعد أفهم ماذا يجري .. ولا بماذا أحس .. وماذا أريد ...!
لم أعد أعرف كيف أنا .. ولا لم تفعل بي تلميذتي هكذا .. ولا من أكون .. وما أدركه ، وما أفهمه أن هناك قافلة من الحزن والألم والوجع والشقاء التصقت هوادجها في دروب جسدي إلى رأسي .. وأن سيلاً من الانفعال .. والتوتر يجرف كل سواحل للأمان في نفسي .. وأن شلالا من الصراع وآخر من غضب يفجران ما تبقى من أحاسيسي المتعبة ... ليصعد هذا المزيج من أعماق جسدي .. إلى تعالي وتكبر رأسي .... ثمة خربشة رأسية الموضع ، أكملت مفعولها لحظات الانهيار ... فبكيت .. بكيت .. بكيت مثل ما لم أبك من قبل .......!
ثم رفعت رأسي أناظر السماء .. ورفعت معه يداي ، ودموعي تغص في حلقي :
- أحمدك يارب .. بأنك ألهمتني من ألهمتها حرفي .. وألهمتني من ألهمت دمعي ... ففقدت يأسي وضياعي .... ووجدت بها حناني ؟؟!

https://amineft.bbactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى