عرب بلاحدود
مرحبا بك زائرنا الكريم في منتديات عرب بلاحدود

اذا كنت غير مسجل يشرفنا ان تقوم بالتسجيل وذلك بالضغط على زر "التسجيل"

واذا كنت مسجل قم بالدخول الان وذلك بالضغط على زر"الدخول"


مع تحيات ،، اداره منتديات عرب بلاحدود

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عرب بلاحدود
مرحبا بك زائرنا الكريم في منتديات عرب بلاحدود

اذا كنت غير مسجل يشرفنا ان تقوم بالتسجيل وذلك بالضغط على زر "التسجيل"

واذا كنت مسجل قم بالدخول الان وذلك بالضغط على زر"الدخول"


مع تحيات ،، اداره منتديات عرب بلاحدود
عرب بلاحدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

آنستان وأرملة

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1 آنستان وأرملة Empty آنستان وأرملة الخميس سبتمبر 02, 2010 1:40 pm

Admin

Admin
Admin



آنستان وأرملة



عندما اندلعت حرب الثمانية وأربعين ركب الحماس السيد مصباح بشكل مفاجئ فانضم إلى جيش الإنقاذ وسافر وهو يعلق بندقيته على كتفه إلى فلسطين، ولكن سرعان ما جاء خبره في رسالة قصيرة من القيادة موجهة إلى زوجة البطل الشهيد فعرفت مديحة أنها ترملت وهي عروس شابة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، فعادت إلى بيت أهلها لتنضم إلى أختيها العانستين فاطمة وسعدية.

أصبحن ثلاث نساء يسكنّ بيت العائلة الكبير، وكان الناس في الحي اعتادوا احترام العانستين فيذكرونهما بصفتهما آنستين، أما الآن وبعد أن انضمت اليهما الأرملة مديحة فقد أصبحن ثلاث "آنسات"، وكانت الآنسة فاطمة هي أكبرهن بينما كانت مديحة أجملهن إلا أنها قررت أن تنهي قضية الجمال هذه فتوقفت عن التبرج ولم تعد ترتدي سوى الملابس السوداء حتى بعد أن انقضت أيام العدة وأصبح بإمكانها مواجهة الرجال، ولا بأس من القول بأن أختيها العانستين كانتا مثلها غير ميالتين لارتداء الألوان الزاهية أو لصباغ الشفاه والوجنات بالأحمر إلا أنهما لم يرغما نفسيهما على ارتداء الملابس السوداء باستمرار فهذا تعصب لا معنى له وقد ارتدى الجميع يوماً الملابس السوداء حزناً على وفاة الأب والأم إلا أن الجميع خفف من الحزن حتى أن مديحة تزوجت السيد مصباح صديق أخيها مدحت وارتدت في ليلة زفافها البدلة البيضاء.

ومدحت هذا هو الأخ الأكبر والوحيد للآنسات وهو الذي يدير مصالح العائلة التي أورثهم إياها الأب وقد تزوج يوماً من ابنة ملاك أراضٍ ويعيش معها بسعادة في أرقى أحياء المدينة، ونقول "بسعادة" لأن العروس كانت همست في أذنه في فترة الخطوبة بأنه إذا أراد أن يجعلها "سعيدة" عليه أن يخطط ليسكنها في بيت خاص بعيداً عن وكر النساء هذا وقد كان لها ما أرادت.

كانت الآنسة فاطمة تمضي وقتها بالتطريز على الطارة وكانت الأقمشة المطرزة تستخدم فيما بعد كشراشف وأغطية مخدات وطاولات وغيرها من الأمور المفيدة، وعندما امتلأ البيت بالأغطية بدأت بتطريز المربعات والمستطيلات كما يحلو لها فاكتشف أخوها مدحت بأن هذه المطرزات تصلح للتعليق على الجدران كلوحات فنية وقد طلب منها إهداءه لوحة تمثل تاريخ المدينة منذ أن وصل إليها المغول وحتى اليوم فتنازلت له عنها فوضعها في برواز أنيق وعلقها في صدر غرفة الضيوف في بيته ليدهش بها ضيوفه من القناصل الأجانب.

أما الآنسة سعدية فقد كانت تهوى الطبخ، وكانت تقدم كل صباح لشريف، وهو العجوز الذي كلفه مدحت بتموين الآنسات بكل ما يلزمهن، قائمة بالخضار والحبوب واللحوم وغيرها من المواد الأولية اللازمة للطبخ ثم تحتل المطبخ لساعات تحضر الأطباق المتنوعة والشهية التي لن تجد من يتناولها، إلا أن الآنسة فاطمة ومديحة، وإكراما ًلأختهما الآنسة سعدية، يقمن بتذوق الأطباق بلقيمات معدودة ثم يدعين الشبع بينما كانت الطباخة الماهرة تأكل حتى الامتلاء، ليس لأنها كانت أكولة بل لأنها لم تكن تحب أن تتحول الى مجرد طباخة تصنع الأطباق لموائد الجيران فقط.

أما مديحة فقد كانت بلا أي اهتمام أو موهبة تشغل بهما وقتها الطويل والممل، ولذلك فإنها كانت، أثناء جلوسها وحيدة في غرفتها أو على الشرفة مع أختيها في الأمسيات أو حين تلجأ إلى السرير وقت النوم، تعود بذهنها إلى العشرين شهراً التي قضتها بسعادة مع زوجها المرحوم الشهيد، وخاصة تلك اللحظات الحلوة التي كان يضمها فيها ويقبلها ويداعبها أو يحنو عليها حين تكون مريضة أو يدغدغها حين تكون بمزاج عكر.

بعد ثلاث سنوات من عودة الأرملة مديحة بدأت آلام المفاصل تهاجم الآنسة فاطمة، فأصبحت بطيئة الحركة ودائمة الشكوى من مفاصلها التي تضخمت وراحت تسبب لها الأرق، وأصبحت للعجوز شريف مهمة أخرى وهي أن يستدعي الطبيب حين يشتد الألم على الآنسة فاطمة ثم أن يحضر الأدوية الموصوفة من الصيدليات. بعد ذلك بقليل ظهرت أعراض مرض السكر على الآنسة سعدية وهذا الطبيب الشاطر هو الذي شك بوجود المرض من تشخيص الأعراض الظاهرة فطلب فحصاً للدم، وبما أن الآنسات الثلاث لا يخرجن من البيت مطلقاً فقد كان على العجوز شريف أن يحضر ممرضاً خاصاً ليأخذ عينة من دم الآنسة التي بسبب رغبتها في تذوق كل الأطعمة التي كانت تحضرها، امتلأت بعض الشيء.

بسبب اكتشافها لمرضها ازدادت أعباء الآنسة سعدية فقد أصبحت تمضي وقتاً أطول في المطبخ لأنها صارت تحضر أطباقاً تناسب مرضى السكر بالإضافة إلى الأطباق التي تناسب أختيها والجيران والعجوز شريف الذين لا يعانون من هذا المرض اللئيم. في هذا الوقت بالذات، أصيبت الأخت الثالثة، الأرملة "الآنسة" مديحة بمرض خاص، ليس من المناسب استدعاء الطبيب حاييم اليهودي، الذي كان يعالج أختيها من مرضيهما، للقضاء عليه (ثم انه يهودي وهي أصبحت تكره اليهود منذ قتلوا زوجها في فلسطين وأقسمت يميناً مغلظاً بأنها لن تنكشف عليه إن أصيبت بمرض ألزمها الفراش).

هذا المرض الخاص الذي لا يصيب سوى الأرامل من النساء هو مرض الحنين للزوج المتوفى. أصبحت تتطلبه أكثر من أي يوم مضى. أصبح يأتيها في المنام فيجلس معها ويخاطبها وتخاطبه وفي كثير من الأحيان صارت تناديه في اليقظة لتسأله عن أمر خطر في بالها وحين تستدير، بعد أن يطول انتظارها له ليجيب، لا تجده فتعرف أنه غير موجود فتتلبسها حالة اكتئاب مؤلمة فتجهش بالبكاء.

وجدت مديحة أن الأحلام ترضيها وتخفف عنها ألم الفراق أكثر من اليقظة فراحت تكثر من النوم لعلها تقابل الزوج العزيز. أصبحت تمضي نصف يومها في النوم وعندما تستيقظ دون أن يكون قد جاءها في الحلم، فإنها تكتئب وتصمت وتمضي بقية يومها في إطلاق التنهدات والأنين وتصبح رقيقة جداً وتذرف الدموع في أية لحظة. وقد اعتادت الآنسات التحلق حول المذياع في ساعة معينة من المساء لمتابعة المسلسل الإذاعي اليومي "بعد الغروب" وكان قصة رومانسية عن الحب والتضحية وفيه كثير من الدموع. ففي حين كانت فاطمة وسعدية تستمعان وهما تعملان (كانت فاطمة تطرز وسعدية تقشر الباذنجان أو البطاطا) كانت مديحة تنشغل بكفكفة دموعها التي تذرفها بغزارة والتمخط في أحد مناديل المرحوم التي قامت بتطريز اسمه عليها بنفسها وإهدائه إياها أثناء فترة الخطوبة.

أما الأوقات الأخرى التي كانت مديحة تشعر بفقدان زوجها فهي عندما كن يجلسن في الشرفة المطلة على الشارع الرئيسي في فترة ما بعد العصر وحتى ما بعد المغيب، حيث تقل حركة السيارات ويكثر المتنزهون على الأرصفة، وبما أنها تجلس دون أن تشغل يديها ونظرها خلافا ًلأختيها فإن أي زوج من رجل وامرأة يمر قرب الشرفة يجعلها تتحسر على أيام المرحوم حين كان يطلب منها أن ترتدي أجمل ما عندها وتخرج معه للنزهة فتشبك يدها في يده ويسيران بتمهل وهما يتحدثان في أمورهما الزوجية مثل الاسم الذي ينويان اطلاقه على طفلهما الذي سيأتي، رغم تأخر ظهور أعراض الحمل عليها وعدم انقطاع عادتها الشهرية، أو التحدث عن مشاكل الزوج في العمل وغيرها. إن ظهور زوج وزوجة على الرصيف المقابل وهما متشابكي الأذرع يجعل مديحة في حالة حسرة وتألم على الزوج الراحل وتجد نفسها، دون ارادتها، تذرف الدموع وتتأوه وتتنهد فترتفع أعين الأختين المشغولتين في التطريز أو التقشير لتلقيا عليها نظرة حنونة ولكن لفترة قصيرة جداً، ورغم تضامنهما مع أختهما فهما لا تعرفان مدى الحنان والحسرة اللتين تعانيهما مديحة ، فالآنستان لم تجربا الزواج ولم يضمهما رجل إلى صدره ولم يكتب لهما خطيب رسائل غرامية ولم يهمس لهما زوج بكلمات لطيفة ومحببة تدغدغ أعمق أعماقهما.

انتبهت الآنستان إلى أن اختهما الأرملة تمر في أزمة، ولكن ما العمل، كيف يمكن مساعدتها، فمثل هذه الأزمات النسائية التي تعاني منها لا يمكن من أجلها استدعاء الطبيب لكي يعالجها منها؟ فالدكتور حاييم، حتى ولو وافقت مديحة على عرض نفسها عليه، لا يمكن أن يفيدها. كانتا تنتهزان فرصة نومها إلى ساعة متأخرة من الضحى لتجلسا وتتداولا في الأمر وهما منشغلتان في أمورهما. إن من أصعب الأمور مساعدة أرملة فقدت زوجها في عز سعادتها الزوجية حين يعن عليها المرحوم ويحتلها حنين جارف إليه. خطر في بالهما في بداية البحث أن تتحدثا إلى أخيهما الأكبر مدحت ولكنهما وجدتا أنه من غير اللائق فتح مثل هذا الموضوع، الذي يخص عواطف اختهما وحنينها إلى زوجها المرحوم، مع الأخ الأكبر. طال أمد مشاوراتهما عدة أيام، وفي لحظة إحباط، أصيبتا به بسبب عدم وصولهما إلى حل، قررتا أن تستشيرا طبيب العائلة الذي تعرضان عليه مشاكلهما الصحية ابتداء من آلام الروماتيزم وانتهاء بمرض السكر مروراً بآلام الدورة وكسل الأمعاء.

وفي أحد الأيام أرسلتا العجوز شريف إلى الطبيب تدعوانه لزيارتهما لبحث أمر في غاية الأهمية وقد كتبتا على قصاصة من الورق أنه يستحسن أن يقوم بزيارته صباحاً قبل ذهابه إلى عيادته، آخذتان بعين الاعتبار أن تتحدثا معه بحرية، ففي هذا الوقت تكون مديحة في سابع نومة تحلم بفقيدها المحبوب. وصل الطبيب وهو يحمل حقيبته الجلدية المنتفخة بالأدوات اللازمة للمعاينة والتشخيص السريع من سماعات ومطرقة وجهاز زئبقي لقياس الضغط وعدة علب تحتوي كل منها على حقنة قام بتعقيمها بالماء المغلي في الليلة السابقة، كما كانت حقيبته المنتفخة تحتوي على الكثير من نماذج الأدوية الإسعافية مثل مثبطات الألم سريعة المفعول ومهبطات الضغط وغيرها.

أجلستاه في ركن قصي بعيد عن غرفة مديحة ثم قدمتا له القهوة بالحليب مع بعض قطع الحلويات التي قامت سعدية بتحضيرها خصيصاً للمناسبة ثم راحوا يتحدثون همساً. أخذت فاطمة على عاتقها شرح الموضوع للطبيب فليس من المناسب أن تتبارى الآنستان في الشرح خاصة وأن سعدية تفضل أن تراقب رد فعل الطبيب حين يتذوق حلوياتها فلاشيء يمكن أن يسعدها أكثر من أن ترى الآخرين يتلذذون حين يتذوقون شيئاً من ابتكاراتها. أخبرت الآنسة فاطمة المشكلة كلها للطبيب، وعندما انتهت من الشرح انتظرتا لكي تسمعا رأي الطبيب والعلاج الذي يمكن أن ينقذ اختهما الأرملة المعذبة، إلا أن الطبيب استمر في التهام الحلويات لأنه أحبها فعلاً وأدخل السعادة إلى قلب الآنسة سعدية. وعندما استمر الصمت قامت فاطمة بطرح سؤالها على الطبيب بشكل مباشر. قالت فاطمة:

- نحن نريد رأيك يا دكتور، فأختنا مديحة تتعذب ولم نجد أحداً غيرك لاستشارته. فقال الطبيب:

- إنني لا أجد مشكلة طبية في ما سمعت فأنا، كما تعلمين يا آنسة فاطمة، طبيب أبدان ولست بطبيب قلوب ولا أفهم في القضايا العاطفية. بالنسبة لي الحنين هو كيمياء غير مفهومة وإذا أردتما يمكنني أن أكتب لها وصفة من مهدئات الأعصاب. فقالت فاطمة بنبرة إقناع قوية:

- ولكننا نريد رأيك ليس كطبيب للعائلة فحسب بل كصديق، فأنت الشخص الوحيد الذي نثق به ونعرض عليه أعضاءنا المريضة، وكما تعلم فإن بيتنا ممنوع على الغرباء من الرجال باستثنائك واستثناء ذلك العجوز شريف الذي يخدمنا. إننا نطلب مساعدتك في أمر لا علاقة له بالطب والأطباء، بل له علاقة بالنفس البشرية الضعيفة. فكر الطبيب لفترة ثم قال:

https://amineft.bbactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى